هل جفت القدس؟
بهذا السؤال أتوجّه إلى مليار ونصف مليار مسلم وعربي، وأقول إلى الذين يصلحون ما أفسد الناس ولا يضرهم ما خالفهم، ولا الذين يقبعون خلف القضبان من أجل القدس والأقصى، إلى الشهداء والمستضعفين في الأرض، أؤكد لكم أنّ القدس لن تجفّ وأنّ الأقصى لن يجفّ رغم ما تقوم به الدولة العبرية منذ أكثر من 40 عاماً من أجل تجفيف الوجود العربي والإسلامي في المدينة، وتجفيف اقتصادها والإنسان والعمران فيها، وتحويل زهرة المدائن إلى نبتة جافة صحراوية تتلاعب بها الرياح والرمال صباح مساء، وتحوّل بريقها الذهبي إلى موت شاحب وطرقها وأرضها النابض بالحياة إلى مدينة أشباح.
فرغم مصادرة 34% من أراضي القدس ونحو 52% أخرى اعتبرتها "إسرائيل" منطقة خضراء يحظر فيها على العربي البناء فيها، وتحويلها إلى الاستيطان اليهودي في المدينة. فالعالم كله شاهد بأم عينه كيف جفّفت الخضرة وقطعت آلاف الأشجار في جبل أبو غنيم ليقام على ثرى الأجداد ما يسمّى بمستوطنة (هار حوما).
وما جبل المكبر عنّا ببعيد والذي يقيم فيه حالياً أكثر من 50 ألف مستوطن ناهيك عن مصادرة آلاف الدونمات في شعفاط وبيت حنينا.
وسعت الدولة العربية في الإطار ذاته إلى توسيع رقعة حدود بلدية القدس العبرية من 40 كم2 لتصبح الآن حوالي 665 كم2، وابتلعت بذلك أراضي أريحا شرقاً ووصلت إلى اللطرون غرباً ورام الله شرقاً، وبداية حلحول والخليل جنوباً، وحصرت الوجود السكاني العربي في بؤرٍ صغيرة جداً بدون أرض ولا هواء ولا ماء.
يا من أحببتم القدس وتمنّيتم ليل نهار أنْ تسيروا في أزقّتها وتصلّوا في معابدها أقول لكم وبكلّ صراحة إنّ الدولة العبرية سنّت قوانين وضرائب هدفت من خلفها تجفيف البشر منها فشرعت قانون حق الإقامة وقانون التأمين الصحي والتعليم وتراخيص البناء وضرائب المساكن وتسجيل المواليد وسحب الهويات وغيره كثير...
هدفت من هذه الإجراءات وبوضوحٍ إلى تقليل نسبة السكان العرب، فبعدما كانت نسبتهم في عام 1967 تصل إلى 70% أصبحت اليوم تصل إلى 28% ويسعون خلال السنوات القادمة لتصبح النسبة 22%.
أمّا عن الجفاف الاقتصادي فحدّث ولا حرج، فالضرائب والجدار العازل وغسل دماغ السياح الزائرين للقدس من قبل الأدلاء اليهود وتخويفهم من التعامل أو الشراء من المحلات العربية وفتح محلات يهودية في المقابل والبطالة جعلت المدينة تجف يوماً بعد يوم، أما عن التعليم والصحة فقد تمّ تحويل القطاع الصحي تماماً إلى وزارة الصحة اليهودية وخرّبت التعليم ودمّرته وأفسدت عشرات من الشباب والفتيات المقدسيات من خلال نشر المخدرات وترويجها وتشجيع الشباب على الانخراط في مجال العمال والخدم وترك التعليم.
في هذا اليوم، يوم القدس العالمي، نستذكر وإياكم ما تتعرّض له الحياة الدينية في المدينة من جفاف وتضييق فالحواجز العسكرية على مداخل المدينة ونشر حوالي 2000 شرطي وحرس حدود في المدينة بشكلٍ دائم وأكثر من 120 شرطيّاً وقوات خاصة على أبواب المسجد الأقصى وبداخله جعل ممارسة العبادة صعبة جداً، بل إنّ المؤسسة "الإسرائيلية" قامت مؤخّراً بمنع أي نشاط في داخل المسجد الأقصى ومنعت إدخال الطعام واعتقلت المعلمين والمعلمات الذين قدِموا مع طلابهم إلى ساحات المسجد الأقصى، فبعدما قطعت روافد الأقصى من العالم العربي لجأت إلى قطع روافده في قطاع غزة، فحاصرته ومنعت أهلنا في القطاع من الوصول إلى القدس، ثم منعت أهلنا في الضفة الغربية. وها هي اليوم تحاول أنْ تمنع أهلنا في الخط الأخضر- 48 وغداً ستمنع الضواحي كي يجف الأقصى تماماً.
فهل تجف القدس والأقصى وأنتم أحياء وهل تجف أرضها وجبالها والله باركها من فوق سبع سماوات بقوله (إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)؟
هل تجفّ وما زال أذان وتكبير عمر وبلال يصدح على مآذنها وخطوات عيسى المسيح في طرقاتها؟
هل تجفّ وما زال منبر صلاح الدين ينتظر قائد تحريرها من جديد؟
هل تجفّ وهذا صوتنا من جنبات الأقصى إلى العالم كله أنّنا صامدون أمام هذا التجفيف الصهيوني؟
إنّني على يقين أنّنا إن لم نتدارك القدس فإنّ يد الخراب والدمار ستجفّفها كما جفّفت الحولة وأنهار فلسطين ومصادر مياهها، وكما جففت حيفا ويافا وحارة المغاربة وغيره...
فيا أيها الأحرار قوموا بدوركم وانهضوا من سباتكم وأعدّوا زادكم.
فأين ماءكم للقدس؟ وأين زيتكم للأقصى؟ وأين نخوتكم؟ فهل هانت عليكم مدينة الإسراء والمعراج؟
إنّنا نعاهد الله ونعاهدكم أنّنا سنبقى نسقي القدس والأقصى بدمائنا وأولادنا وثباتنا وإيماننا بأنّ وعد الله قائم وقادم لا محالة، وأنّ الاحتلال إلى زوال وأنّ القدس محررة لا محالة بإذن الله.