القدس في عام 2020: تهويد بمظلّة أمريكيّة ومباركة عربيّة
![]() ![]() ![]() ![]() |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةلم يكن الاحتلال بحاجة إلى محفّزات كي يستمر في تهويد الشطر الشرقي من القدس المحتلة، لكنّ التطورات التي تبلورت عام 2020 شكّلت بيئة مريحة ومناسبة له للمضيّ في مخططات التهويد وتنشيطها والعمل على فرض مزيد من الوقائع على الأرض مستفيدًا من الدعم الأمريكي الذي تجلّى بوضوح في صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب رسميًا في بداية العام، إضافة إلى اتفاقيات التطبيع التي انبثقت عن الصفقة كجزء من رؤية الإدارة الأمريكيّة إلى المنطقة والعمل على تصفية القضيّة الفلسطينيّة.
وفي استعراض لأبرز محاور التهويد في عام 2020، فقد طرحت حكومة الاحتلال مناقصات لبناء 1727 وحدة استيطانية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، مقارنة بـ 805 عام 2019. وأعلنت سلطات الاحتلال عن عدد من المشاريع الاستيطانية، من أبرزها مشروع وادي السيليكون الذي يتضمن تخصيص 200,000 متر مربع لشركات التكنولوجيا، و50,000 للفنادق، و50,000 أخرى للمساحات التجارية بعد هدم 200 منشأة في المدينة الصناعية في وادي الجوز.
ولم يحل تفشي جائحة كورونا دون إصدار أوامر هدم طالت منازل المقدسيين ومنشآتهم، لا سيما بذريعة البناء من دون ترخيص. ووفق أرقام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، فقد هدم الاحتلال 174 منشأة في القدس حتى 2020/12/22، جرى هدمها ذاتيًا بيد أصحابها في كثير من الحالات بسبب الغرامات والمبالغ الباهظة التي تفرضها عليهم سلطات الاحتلال إن نفذت آلياتها عمليات الهدم.
وشهدت القدس كذلك اعتداءات متكرّرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية، من أبرزها محاولة مستوطنين إحراق مسجد البدريين في قرية شرفات جنوب القدس المحتلة، وحاولة مستوطن إحراق كنيسة الجثمانية في جبل الزيتون شرق القدس المحتلة، حيث جرى تطويق الحريق ومنع انتشاره في المرّتين. ومن الاعتداءات الأخرى، اقتحامات المستوطنين المتكررة لمقبرة باب الرحمة فيما عمد الحاخام المتطرف يهودا غليك، ومعه عدد من المتطرفين، إلى النفخ ببوق "الشوفار" في المقبرة فوق قبور الصحابة والتابعين. علاوة على ذلك، نفذت جرافات تابعة لبلدية الاحتلال في القدس أعمال حفر وتجريف في مقبرة الشهداء التابعة لمقبرة اليوسفية، وذلك بهدف تنفيذ مسار حديقة تلمودية. وقد تمكن المحاميان مهند جبارة وحمزه قطينة من انتزاع أمر احترازي من محكمة الاحتلال بتجميد أي أعمال تقوم بها البلدية في المقبرة، وكشف الالتماس المقدّم من المحاميين عن محاولة تقوم بها بلدية الاحتلال لتقديم مشروع مصادرة ضد هذه الأرض وأراضٍ أخرى مجاورة لها من دون إعلان ذلك للجمهور.
وكان للأقصى في عين عاصفة التهويد، وشكّلت صفقة القرن عاملاً دافعًا لجماعات المعبد إذ تبنّت الرواية التلمودية حول الأقصى، ودعمت صلاة اليهود في المسجد ومزاعم الاحتلال حول وجوب فرض السيادة الإسرائيلية عليه، فيما زاد من قتامة المشهد اقتحامات وفود عربية مطبّعة للمسجد، تحت حماية قوات الاحتلال، وهي اقتحامات كانت محلّ ترحيب من جماعات المعبد التي وجّه نشطاؤها رسائل إلى المطبّعين للتعاون على إخراج الأوقاف من الأقصى.
ورزح الأقصى تحت وطأة اقتحامات المستوطنين، الذين وصل عددهم إلى حوالي 18 ألفًا، ومحاولاتهم المستمرة لأداء الطقوس التلمودية في المسجد تحت عيون قوات الاحتلال وبحمايتها، فيما كثفت سلطات الاحتلال من استهداف الوجود الإسلامي في الأقصى عبر حملات الاعتقال والإبعاد التي طالت مرابطين ومرابطات وصحفيين وشخصيات اعتبارية ودينية، وطال الاعتقال والإبعاد رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري. وانقضّ الاحتلال بوحشية على مبادرة الفجر العظيم وعمل على منعها وملاحقة المشاركين فيها في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 لما شكّلته من انعكاس للإرادة الشعبية ودورها في الدفاع عن الأقصى.
وكان لباب الرحمة نصيب من الاعتداءات مع محاولات الاحتلال المستمرّة تقويض النصر الذي حقّقه المقدسيّون في هبة باب الرحمة في شباط/فبراير 2019، مع تكرار اقتحام المصلى واعتقال المصلين منه ومن محيطه، وإصدار قرار بإعادة إغلاقه.
ما تقدّم هو غيض من فيض المشهد التّهويدي في القدس في عام 2020 ويتحضّر الاحتلال لجولة جديدة في عام 2021 إذ كشف إعلام الاحتلال عن رصد 2.2 مليار شيقل للمشاريع التهويدية التي سينفذها الاحتلال في القدس العام القادم مقابل 1.8 مليار كان رصدها لعام 2020، وتشمل المشاريع شق شوارع استيطانية ضخمة وتوسيع المستوطنات وبناء مؤسسات تابعة لحكومة الاحتلال.
ومع ذلك، فإنّ المشهد في القدس الذي طغى عليه سعار التهويد شهد محطات صمود ومقاومة عكست إرادة الدفاع عن الأرض والمقدسات، من مبادرة الفجر العظيم إلى قوافل الأقصى وشدّ الرحال إلى المسجد، وخيمة الاعتصام في حيّ بطن الهوى بسلوان، ورفض اتقافيات التطبيع وطرد المطبّعين من الأقصى، إضافة إلى نقاط المواجهة التي شهدها عدد من أحياء القدس وبلداتها على مدى العام. وهذه المحطات من عوامل عرقلة مشروع التهويد لكن من المهمّ أن تستمرّ وتلقى دعمًا وإسنادًا خارجيًا، على المستوى الرسمي والشعبي والمؤسسات العاملة للقدس، لا سيّما أنّ المخاطر تتعاظم ولا يمكن ترك المقدسيّين وحدهم يواجهون لججها.