الأقصى من الإحراق إلى التهويد
![]() ![]() ![]() ![]() |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةفي مثل هذا اليوم قبل 52 عامًا، أقدم المتطرف الأسترالي الصهيوني دينس مايكل روهان على إضرام النار في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى، ما تسبب بإحراق مساحة كبيرة من المسجد، بما في ذلك منبر صلاح الدين، وقد احتاج الدمار الذي خلفه الحريق إلى سنوات لترميمه وإصلاحه.
كان تواطؤ سلطات الاحتلال في الجريمة واضحًا مع تعمّدها تأخير وصول الماء لإخماد النار، وقد هبّ الفلسطينيون حينها لإطفاء الحريق بثيابهم وبما تيسر من ماء في آبار الأقصى، الأمر الذي أخّر السيطرة على الحريق. وزعمت سلطات الاحتلال أن الحريق نجم عن تماس كهربائي، إلّا أنّ المهندسين العرب أثبتوا أنّه مفتعل، فتعهّدت بتقديم روهان إلى المحاكمة، لكن سرعان ما ادّعت أنّه معتوه ونقلته إلى المستشفى ثمّ رحلته إلى أستراليا.
وبعد ذلك، لم تتوقف محاولات الاحتلال الساعية إلى السيطرة على الأقصى وتهويده، عبر مسارات متعددة تهدف في مجملها إلى تغيير الوضع القائم التاريخي. هذه المسارات، التي ترسم صورة العدوان الإسرائيلي المستمر على المسجد، تشمل الاقتحامات وما يرافقها من صلوات وطقوس تلمودية، ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني، والسيطرة على المنطقة الشرقية من المسجد التي فيها باب الرحمة، والمطالبات بإنشاء كنيس فيها، ومحاولة فرض معادلة سمو المناسبات والأعياد العبرية، والحفريات والمشاريع التهويدية في الأقصى ومحيطه، وكان من آخرها الكشف عن حفريات في ساحة البراق في ظل مطالبات إسرائيلية ببناء جسر أسمنتي مكان جسر باب المغاربة الخشبي المؤقت بذريعة أنّه آيل للسقوط. ويضاف إلى ذلك المطالبات بإنهاء الدور الأردني في الأقصى وإخراج الأوقاف من المسجد تحت عنوان بسط السيادة الإسرائيلية على المكان.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ إدارة ترامب التي تبنّت رواية الاحتلال من دون مواربة أو تحفّظ، طرحت ما مفاده أنّ الأقصى جزء من السيادة الإسرائيلية، وفتحت مسار التطبيع الرسمي بين العرب والاحتلال لتجعل من الأنظمة التي تنضمّ إلى هذا المسار شهودًا وشركاء في العدوان على المسجد؛ وكان من أهداف هذ المسار أن "يزور" العرب الأقصى تحت الاحتلال لتحويل المشهد في الأقصى من مقدّس محتلّ إلى مكان يديره الاحتلال ويشرف على "حرية العبادة" فيه. وقد فشل المنظرون لهذه الزيارات-الاقتحامات بتحويلها إلى أمر واقع بعدما وقف المقدسيون ضدّها بشدة وأعلنوا رفضهم لها بما تعنيه من كونها اقتحامات وتبييض لصفحة الاحتلال وجرائمه.
وفي مقابل هذا المشهد والعدوان، كان الفعل المقاوم بالمرصاد لمواجهة العدوان وإحباطه، ولفرملة هجمة الاحتلال التي تستفيد من ترهل الموقف العربي وتراجعه، فكانت هبة باب العمود التي امتدّت إلى منع اقتحام 28 رمضان الذي حشدت له جماعات المعبد بذريعة الاحتفال بيوم "توحيد القدس"، ومن قبلها هبة باب الرحمة وباب الأسباط، وانتفاضة السكاكين، رجوعًا إلى كلّ ما سبق من هبات وثورات انطلقت للدفاع عن الأقصى ولمواجهة مخطّطات تهويده.
أما معركة سيف القدس فقد جسّدت رافدًا للمقاومة الشعبية في معركة الدفاع عن الأقصى، وثبّتت أنّ المسجد خط أحمر فعلاً، وأنّ الطريق لحماية المقدسات واستعادة الحقوق واضح وبيّن لمن يتأمل التاريخ ويستخلص العبر.