شعرٌ للقدس (الجزء الرابع)

تاريخ الإضافة الإثنين 7 تموز 2008 - 1:28 م    عدد الزيارات 6549    التعليقات 0     القسم

        



"عامي إليعاد" في دراسته بالعبرية، عن القدس في أدب "عرب إسرائيل" في فترة الانتفاضة (1987-1993)، أن الشعراء الفلسطينيين، يذكرون رموز الديانتين الإسلامية والمسيحية من غير أنْ يذكروا الديانة اليهودية، فعندما تطرّق إلى قصيدتي "نقوش على ترنيمة الأقصى"، أشار إلى التفاؤل الذي أختم به القصيدة، وأنّ المساجد والكنائس ستشارك فيه، ويرى أنّ تجاهل اليهود ومعابدهم بارز، كما أنّ اليهود يرِدون كثيراً بصورة الصليبيين، وفي رأيي أنّ هذا الكلام غير دقيق، انظر ما جاء في قصيدة شحادة أعلاه وفيها يقول:

 

"والحجر المغروس عند حائط البكاء
يرسم صورة الدوائر الجبرية
ويستعيد وشوشات الملك الحكيم
ودورة الزمان تنزع الحراب والسيوف
من جرحنا القديم"

 

وانظر كذلك قصيدة درويش فيما يلي:

إذن فاستلهام التاريخ يكون لخدمة الحاضر، فإذا كان الحاضر يجابه اليوم –وبحدة– موقفًا معاديًا متعنّتًا، فإنّ مركز الخلاف يأخذ طابعًا دينيًا وقوميًا معًا، وبناء عليه، فمن الطبيعي ألا تأخذ الرؤية اليهودية حيزًا كبيرًا في الكتابة الفلسطينية.

 

بل إنّ محمود درويش (1941-) في مقطوعة أفردها للقدس المقطوعة السابعة عشرة من ديوان أحبك أو لا أحبك (1973)، يستعمل رموزًا تتعلّق بتاريخ اليهود ليكسبها بعدًا فلسطينيًا، أو ليلبسها التاريخ الفلسطيني:

 

ونغني القدس:
يا أطفال بابل
يا مواليد السلاسل
ستعودون إلى القدس قريباً
وقريبًا تكبرون
وقريبًا تحصدون القمح من ذاكرة الماضي
وقريبًا يصبح الدمع سنابل
آه يا أطفال بابل
ستعودون إلى القدس قريباً

*   *   *

هللويا
هللوي

 

فسبيُ اليهود إلى بابل في التاريخ صار سبيًا وقضية للفلسطينيّ، و(هللويا) صارت آية التمجيد الحالية، بدلاً من كونها لفظة عبرية وردت في المزامير، فلا بدع إذن أنْ يسمّي الشاعر هذه المقطوعات من ديوانه "مزامير".

 

ويبرر ذلك درويش: "إنني أعتبر نفسي كفلسطيني وكنتاج هذه الأرض الفلسطينية أحد الذين يملكون حقّ أنْ يرثوا كلّ تاريخ الإبداع والثقافة التي جرت على هذه الأرض ومنها "التوراة".

 

وإذا كان صوت فدوى طوقان يئن في معاناته وشكاته وهو مشحون بالطاقة التراثية الدينية، فإنّ عبد اللطيف عقل (1942-1993) مشحون بطاقة المعاناة الحاليّة، وهو لا يرى إلا صورة المحتل ورصاصة الطائش الآثم، وما القدس إلا خلاصة الوطن الجريح:

 

أنا في القدس
ومن في القدس
يلتف به السور، وما من حجر في السور
إلا وله صدر موشى
بالرصاص الطائش العمد، وأعشاش حمام
المسجد الأقصى وآلاف المصلين
وعبد الله في باب الخليل ارتصّ كالعلبة
أخّ يا هذا الرصاص الطائش العمد،
أنا القدس وتغريد التي يعرفها الجند
ولا تعرف أمّها والصبح والدفتر
والموت وروح الشعب والأرض
وفيها تشتهي الأنثى الأحاديث
عن الأعراس في الصيف
وتطريز فساتين القصب

 

فلا بد إذن من مقارعة المحتل ومقاومته، فكانت "قصيدة القدس" تنحو هذا المنحى في قصائد كثيرة.... يقول راشد حسين (1936-1977)، في قصيدة "القدس والساعة":

 

كانت الساعة في القدس قتيلاً وجريحًا ودقيقة
ولهذا كلما مرت بمحتلّي عيون القدس طفلة
طفلة بنت صغيرة
فتشت أعينهم آلاتهم في
صدرها
في رحمها
في عقلها
عن قنبلة
وإذا لم يجدوا شيئًا أصرّوا
"هذه البنت الصغيرة
ولدت في القدس
والمولود في القدس
سيضحى قنبلة
صدّقوا… المولود في ظل القنابل
سوف يضحى قنبلة"

 

ويكتب جمال قعوار (1931) قصيدته مباشرة بعد الانتفاضة مخاطبًا القدس في قصيدته "العنوان الجديد" وهو يتحدّث فيها عن القدس، وعن الطفلة التي تعلّم المحتل معنى الصمود، وينهيها بالقول:

 

جدّدي يا قدس عهداً
واكتبي في الكون مجداً
وانشري في أضلع المحتل رعباً
ليس يهدا

*   *   *

لتعود القدس حرة
ولتبقى أبداً في جبهة التاريخ غرّة..

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

شعرٌ للقدس (الجزء الثالث)

التالي

بأيدينا نبني مستوطنات تهوّد أرضنا.. وبأيدينا نبني جدار سجننا!! فمـــن المســـؤول عـــن ذلـــك؟!

مقالات متعلّقة

أسامة الأشقر

مقدمة نظرية عاجلة في إدارة ملف صراعهم الداخليّ

الإثنين 27 آذار 2023 - 11:36 م

كلما ازداد قلق كبراء كيانهم وخوف كهنة سياسييهم عرفنا أن الصراع الداخلي قد بدأ مرحلته التاريخية الثانية وهي مرحلة الشرخ الظاهر الذي يعقب مرحلة التآكل الذاتي الخفيّ، وبين المرحلتين تداخلٌ وامتدادٌ، فليس… تتمة »

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »