كيف يعتدي الاحتلال على مظاهر القدس الإسلامية في رمضان؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 21 أيار 2019 - 2:57 م    عدد الزيارات 2812    التعليقات 0     القسم مقالات

        


علي ابراهيم

 باحث في مؤسسة القدس الدولية

تزخر القدس بمظاهرها وعاداتها العربية والإسلامية، وهي جزء من هوية المدينة وهوية سكانها الأصليين، ومع حلول المناسبات والأعياد الإسلامية منها أو المسيحية، تصطبغ القدس برونق خاص وتشكل ما يرافق هذه المناسبات من زينة وطعام وطقوس عبادية، فرصة لتنفض المدينة عن كاهلها حملات التهويد. ويُعدّ شهر رمضان أبرز مناسبات القدس الإسلامية، فهو أطولها مدة، وترافقه مظاهر عديدة، تمتد من الأسواق وعادات الصائمين في القدس، وصولًا إلى المسجد الأقصى وعمارته بآلاف المصلين في التراويح والصلوات الأخرى، ما يجعل القدس تعج بمظاهر إسلامية مختلفة، تؤكد أنها عصية على الاستهداف وأنها ما زالت تحتفظ بأدوات قادرة على إفشال الاحتلال شهرًا على الأقل.

 

وأمام مركزية المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، واحتضانه عبادات المسلمين في هذا الشهر، يستهدف الاحتلال هذا المسجد من خلال استمرار اقتحامه بشكلٍ شبه يومي، وأمام الوجود الإسلامي الكثيف في الأقصى يتم اختزال مسار الاقتحام في سياق تثبيته في رمضان ولو كان المسار محدودًا جدًا. وفي استهداف متصل بالمصلين، تعمل سلطات الاحتلال على عرقلة توافد المصلين إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، ففي 7/5/2019 قامت دوريات الاحتلال بمحاولة عرقلة المصلين في الشارع الرئيس المؤدي إلى البلدة القديمة من جهة باب الأسباط.

 

ومع تراجع أعداد المستوطنين الذين يقتحمون الأقصى، وفشل "منظمات المعبد" في حشد أعدادٍ كبيرة لاقتحام الأقصى خلال شهر رمضان، ومن ثم إعلان شرطة الاحتلال منع الاقتحامات في 28 من رمضان، الذي يصادف ما يسميه الاحتلال "يوم القدس" (ذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس)، رفضت هذه المنظمات قرار الاحتلال، وأعلنت النفير لحشد آلاف المستوطنين، وقدمت شخصيات من "منظمات المعبد" التماسًا لمحكمة الاحتلال العليا تطالب فيه بإلغاء قرار الشرطة، معلنين أنهم "مستعدون للحرب من أجل اقتحام الأقصى في هذا اليوم".

 

ولم تقف محاولات الاحتلال عند اقتحام المسجد الأقصى فقط، بل تقوم أذرعه بالتدخل في واحدٍ من أبرز مظاهر شهر رمضان العبادية، حيث تقوم قواته باقتحام المسجد الأقصى ليلًا وإخراج المعتكفين في المسجد بالقوة، وهو اعتداء تكرر عدة مرات منذ بداية شهر رمضان، وإلى جانب محاولة الاحتلال فرض نفسه متحكمًا في إدارة المسجد، من خلال منع أي رباط في الأقصى بعد انتهاء صلاة التراويح، يريد فرض أن يكون المسجد خاليًا من المصلين والمرابطين خلال الليل.

وتحاول سلطات الاحتلال التدخل في أي مظهر يجمع الشبان المقدسيين في ليالي رمضان، ففي 14/5/2019 نصبت قوات الاحتلال حواجز حديدية على مدرجات باب العمود في القدس المحتلة، لمنع الشبان من الجلوس عليها، حيث جرت عادة المقدسيين على تنظيم العديد من الفعاليات في هذه الساحة، ولكن سلطات الاحتلال عملت منذ العام الماضي على تغيير طبيعة هذا الجزء من المدينة المحتلة، ابتداء من نصب الكاميرات ونقاط المراقبة الضخمة وصولًا إلى الحواجز الحديديّة الأخيرة.

وعلى صعيدٍ آخر من الاعتداء، تصعد سلطات الاحتلال استهدافها للتجار والباعة في القدس المحتلة، ومن عادات القدس الرمضانية بسطات الباعة في أزقة البلدة القديمة، التي تبيع منتجات وعصائر رمضانية للمقدسيين، فمنذ بداية شهر رمضان تكررت هجمات شرطة الاحتلال وطواقم بلديته في القدس على بسطات الباعة والفلاحات في شوارع القدس القديمة، وصادرت عددًا منها وحررت مخالفات للبائعات، وهو إلى جانب تعكير الأجواء الرمضانية في القدس، التي تستطيع تحريك العجلة الاقتصادية لهؤلاء الباعة، تفاقم هذه الغرامات من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الباعة البسطاء.

 

ومن المظاهر الرمضانية المميزة خلال هذا العام، افتتاح جمعية برج اللقلق لفانوس رمضاني عملاق، بلغ وزنه أكثر من 3 أطنان، بعرض 3.65 متر وارتفاع 11.85 مترًا في مقر الجمعية في البلدة القديمة، ومنذ افتتاح الفانوس اقتحمت طواقم بلدية الاحتلال مقر الجمعية، وحاولت هدم الفانوس بحجة ارتفاعه عن طول أسوار البلدة القديمة، وبعد تحرك الجمعية تراجعت بلدية الاحتلال عن قرارها، ويشكل "فانوس القدس الرمضاني" ظاهرة مميزة في المدينة، وتم افتتاحه بحضور حاشد لشخصياتٍ من القدس والعائلات المقدسية.

 

ويعدّ المسحراتي واحدًا من أبرز مظاهر الشهر الفضيل، وهو من التقاليد المميزة في مدينة القدس المحتلة، وتحول عمل المسحراتي إلى عمل شديد الخطورة، نتيجة استهدافه من قبل سلطات الاحتلال، حيث شهد العام الماضي اعتقال عددٍ من المسحراتية، أصدرت ضدهم مخالفات مالية بحجة تسببهم بإزعاج المستوطنين داخل البلدة القديمة، وتعمل قوات الاحتلال على ملاحقة المسحراتي في أزقة القدس، وعرقلة عمله، وتفتيشه بشكلٍ متكرر، وعلى الرغم من هذه المنغصات يستمر هذا التقليد التاريخي من عهد المماليك حتى يومنا هذا في المدينة المحتلة.

 

تفاقم اعتداءات الاحتلال التأثير في المظاهر الرمضانية في القدس المحتلة، خاصة تلك التي تتعلق بالزينة والاحتفاء العام، وتؤثر في الحركة التجارية في المدينة خاصة أن الشهر الفضيل موسم لتجار المدينة تنتعش فيه الحركة مع قدوم آلاف المصلين من مناطق الضفة الغربية أو المناطق المحتلة عام 1948. وعلى مقلب آخر تزيد اعتداءات أذرع الاحتلال على المدينة خلال شهر رمضان من معاناة المقدسيين، حيث يُحرم العشرات منهم من الدخول للأقصى وأداء عباداتهم فيه خلال شهر رمضان، من بينهم شخصياتٌ دينيّة ووطنية وحراس المسجد الأقصى. وعلى المقلب الآخر يشكل رمضان فرصة للحفاظ على هوية القدس، واستعادة جزءٍ من ألقها وقدرتها على مواجهة الاحتلال، فالقدس في رمضان نموذج أصيل للمدينة العربية والإسلامية، التي تشكل قبلة الأفئدة وقبلة العباد المرابطين.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

القدس والقانون الدولي

التالي

صفقة أم مشروع تصفيه

مقالات متعلّقة

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »

عدنان أبو عامر

اختلاف الأولويات بين واشنطن و"تل أبيب" حول التطبيع

الخميس 23 شباط 2023 - 10:52 م

في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال ضغوطًا لا تخطئها العين من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعودة إلى العملية السياسية مع الفلسطينيين، ولو من الناحية الشكلية غير المجدية، فإن الواقع الإقليمي، من و… تتمة »