فليكن الأضحى في الأقصى رباطًا من الفجر إلى النّجر!
![]() ![]() ![]() ![]() |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةيتزامن احتفال المستوطنين بذكرى "خراب المعبد" هذا العام مع احتفال المسلمين بعيد الأضحى الأحد 11/8/2019، ويعدّ اقتحام الأقصى جزءًا من الاحتفال بهذه الذكرى. لكنّ المعمول به، على الرغم من اعتداءات الاحتلال على الوضع القائم في الأقصى، هو منع الاقتحامات بالتزامن مع أعياد المسلمين، إضافة إلى أيام الجمعة والعشر الأواخر من شهر رمضان. إلا أنّه مع التصاعد الملحوظ في الضغط الذي تمارسه "منظمات المعبد" على شرطة الاحتلال والمستوى الرسمي الإسرائيلي، والتجاوب الذي تلقاه هذه الضغوطات، لا سيّما من وزير الأمن الداخلي جلعاد إردان، فقد سمحت شرطة الاحتلال باقتحام الأقصى في 28 رمضان الماضي بالتزامن مع "يوم توحيد القدس" أي استكمال احتلال القدس، بما فيها الأقصى، عام 1967. السماح باقتحام الأقصى كان في اللحظات الأخيرة، إذ تجمع نشطاء "المعبد" عند باب المغاربة يوم 2/6/2019 بانتظار قرار الشرطة، التي كانت قررت في أيار/مايو أنّها لن تسمح بالاقتحامات. وعلى ما يبدو فإنّ شرطة الاحتلال استندت حينها في قرار السماح بالاقتحامات، من ضمن عدة أسباب، إلى قناعة بقدرتها على استيعاب ردة فعل المسلمين الموجودين في المسجد، وقد كان عددهم قليلاً مقارنة بالحشود التي عمرت المسجد أيام الجمعة في شهر رمضان، وفي ليلة القدر.
"نجاح" تجربة اقتحام 28 رمضان، تتوجه شرطة الاحتلال إلى اعتماد النهج ذاته الذي اتبعته في "يوم توحيد القدس"، إذ أعلنت، في ردّ على محامي جماعات "المعبد" أفيعاد فيسولي، أنّها ستقيّم الوضع في الأقصى صبيحة عيد الأضحى يوم الأحد، وتقرّر فتح المسجد أمام اقتحامات المستوطنين بناء على التّقييم. وفي تقييم الاقتحام الذي جرى في 28 رمضان، أو اقتحامات مشابهة، فإنّ تقدير نجاح الاقتحام أو فشله لا يمكن أن يكون بقياس عدد المستوطنين المشاركين فيه، حتى وإن تراجع عن مقابله في الأعوام السابقة، بل إنّ المعيار في الدرجة الأولى هو في حدوث الاقتحام، لأنّه يعني أنّ الاحتلال انتقل إلى مستوى أعلى في سياق استهدافه الوضع القائم التاريخي، ولم يعد يقف عند أيّ خطّ أو حدّ. علاوة على ذلك، فإنّ تنفيذ الاقتحام يدخل الأقصى في مرحلة جديدة من التّحديات والمخاطر، حيث إنّ الأعوام القادمة ستتقاطع فيها المناسبات التي يحييها المستوطنون باقتحام المسجد مع أعياد المسلمين وشهر رمضان، وإنّ نجاح الاقتحامات هذا العام سيفتح المجال أمام المزيد منها، وسيفتح المجال كذلك أمام ما تطالب به "منظمات المعبد" من مكتسبات جديدة في الأقصى، ومن ذلك مطالبتها مؤخرًا بزيادة أوقات الاقتحامات المخصّصة لها.
ودعا قادة "منظمات المعبد" إلى الاحتشاد بكثافة عند باب المغاربة صبيحة الأحد، للضغط على الشرطة وإجبارها على السماح بالاقتحامات، فيما طالبت "منظمات المعبد" شرطة الاحتلال بتأجيل صلاة الأضحى إلى ثاني أيام العيد، وإغلاق المسجد في وجه المسلمين ليتسنى للمستوطنين اقتحامه نظرًا إلى أنّ "المسلمين لديهم أيام أخرى يحتفلون فيها بالأضحى، بينما ذكرى خراب المعبد تأتي في يوم واحد فقط"!
وقد لمست الهيئات المقدسية أهمية عمارة المسجد بالرباط لصدّ الهجمة الإسرائيلية عليه، فصدر بيان عن الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف الإسلامية ودار الإفتاء دعا إلى إغلاق مساجد القدس كافة، وإقامة صلاة العيد في الأقصى حصرًا. وأكد البيان الوقوف صفًا واحدًا ضد فرض أي تقسيم مكاني أو زماني للمسجد الأقصى المبارك، داعيًا جميع أهل فلسطين إلى ضرورة الزحف إلى المسجد الأقصى. وأعلن البيان فتوى جواز تأجيل ذبح الأضاحي إلى اليوم الثاني حتى نعمر الأقصى في يوم عيد الأضحى. كذلك، أعلنت دائرة الأوقاف في القدس عن تأخير صلاة العيد في المسجد ساعة كاملة حتى الساعة السابعة والنصف لمنع اقتحام المستوطنين، فيما أعلنت العديد من العائلات المقدسية أنها ستكون في الأقصى من ساعات الصباح إلى ما بعد الظهيرة، وطلبت إلى الراغبين في زيارتها من الأقارب وغيرهم أن يكون ذلك في المسجد، للمشاركة في منع الاقتحامات على مدى اليوم.
إذًا، بعد الانتصار الذي سطّرته الجماهير في هبة باب الأسباط وهبة باب الرحمة، وإثباتها أنّها قادرة على أن تقول كلمتها في المسجد، وأن تفرض المعادلات، وتحدّد مسارات القرارات واتجاهاتها، يعترف الاحتلال اليوم صراحة بذلك، ويقرّ بأنّ قراره حول اقتحام الأقصى يوم الأحد ستحدّده ساحات المسجد، وهذا يعني أنّ القرار بيد المقدسيين وكلّ فلسطيني قادر على الوصول إلى الأقصى، ليس لأداء صلاة العيد فيه وحسب، بل للرباط فيه من طلوع الفجر إلى غسق الليل، ولقطع الطريق على اقتحامه يوم العيد لما سيرتّبه ذلك من تداعيات ومعادلات بالنسبة إلى الأقصى في المرحلة القادمة.
عيد الأضحى في الأقصى هذا العام لا يشبه سواه إن في الزّمان أو المكان، فعلاوة على ما يعنيه بالنسبة إلى المسلمين الذي سيحتفلون به حول العالم، هو في المسجد عنوان صمود وتحدّ ومقاومة، ومحطّة لعرقلة مخطّط التّهويد والتقسيم التي يرسمها الاحتلال، وللوقوف في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتمادية على المقدّسات، وعلى القدس وأهلها.