في باب العامود.. الشرطة أصل الورطة أيضًا!
![]() ![]() ![]() ![]() |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةشهدت منطقة باب العامود منذ بداية شهر رمضان مواجهات بين قوات الاحتلال والشبان المقدسيين يعمل فيها الاحتلال على استخدام العنف ضدّ المقدسيين لإجبارهم على مغادرة المكان الذي يمثّل نقطة التقاء وميدان اجتماع للمقدسيين. والحرب الإسرائيلية على باب العامود في شهر رمضان لا يمكن فصلها عن حربه المستمرة على النسيج الاجتماعي في القدس أو عن محاولات السيطرة على الحيز المكاني في القدس وتهويده، وباب العامود في المقدّمة نظرًا لموقعه الاستراتيجي كأهمّ أبواب القدس القديمة ونقطة تجمّع للمقدسيين ومركز لحياتهم الاجتماعية والثقافية وميدان لمختلف الفعاليات والأنشطة التي درج المقدسيون على إقامتها.
مع تكرار المواجهات، خرجت بعض الأصوات تتمنّى إغلاق القدس لتجنب هذه "المعارك التي لا طائل منها"، وهي أصوات قد تكون انطلقت عن حسن نيّة، ومن دون إدراك ما تعنيه على مستوى ترسيخ الاحتلال والاستنجاد به في مواجهة "أبناء" المدينة نظرًا إلى أنّ بعض التجاوزات التي تشهدها جلسات رمضان في باب العامود. وبمعنى آخر، تستنجد هذه الأصوات بالاحتلال، وهو المفسد الأكبر، ليقوم بدور المصلح وينهي هذه التجاوزات. وبطبيعة الحال، فإنّ إفراغ باب العامود يخدم مساعي الاحتلال لإفراغ المكان من الوجود المقدسي وإتاحة المجال لتوسّع الفعاليات الاستيطانية فيه التي منها "مهرجان الأنوار" التهويدي و"رقصة الأعلام" عند احتفال المستوطنين باستكمال احتلال القدس.
المشهد هذا يذكّرنا بالداخل الفلسطيني والتعاطي مع انتشار الجريمة في "المناطق الفلسطينية" على أنّها حصيلة تخلّف أهلها عن ركب القانون، وقد حرص إعلام الاحتلال على بثّ هذه الصورة وتكريسها ومحاولة تقديم الاحتلال على أنّه الحل. لكن الحراك الفلسطيني في الداخل المحتل الذي انطلق بعد عدد من الجرائم المتلاحقة، أعاد تصويب البوصلة ورفع شعار "الشرطة أصل الورطة" للكشف عن تورط الاحتلال والشرطة الإسرائيلية في رفع وتيرة الجرائم بين الفلسطينيين، والعمل على تغذيتها وتعزيزها.
إن محاولة الاحتلال السيطرة على باب العامود جزء من مخطط استكمال تهويد القدس، وباب العامود بما يمثّله على المستوى المقدسي هو عدو للاحتلال يسعى إلى ترويضه وتجريده من رمزيّته، وطمس هويته، حتى يفرض هوية أخرى، ولعلّ إقدام سلطات الاحتلال عام 2020 على وضع لافتة تحمل اسم "مدرج هدار وهداس" في محاولة لإعادة تسمية ميدان باب العامود نسبة إلى مجنّدتين من حرس الحدود قتلتا في عمليتين من عمليات انتفاضة القدس في عامي 2016 و2017 من أبرز الأمثلة في هذا السياق. وهي تتكامل مع اتخاذ باب العامود محطة في الفعاليات التي يقوم بها المستوطنون، وكلّ ذلك لخدمة أهداف تهويدية. وإذا نجح الاحتلال في تهويد باب العامود فلن يقف عند ذلك، فهويّات المدن تُقرأ من أبوابها!
إذًا، في باب العامود، كما في الداخل الفلسطيني، الشرطة أو الاحتلال أصل الورطة، ومن الأهمية بمكان وضع الأمور في مواضعها، وصحيح أنّ الإصلاح ومنع التجاوزات أمر مهمّ ومطلوب، لكن ليس من الحكمة الاستعانة بالاحتلال لتقويم الأوضاع الداخلية وتصويبها، بل إنّ الأولوية هي للتخلّص من الاحتلال لا التطلع إليه كرأس حربة وجبهة إنقاذ.