القضية الفلسطينية بين مسار أوسلو ونهج المقاومة

تاريخ الإضافة الإثنين 13 أيلول 2021 - 4:18 م    عدد الزيارات 1250    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

تصادف اليوم الذكرى 28 لتوقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال برعاية الولايات المتحدة، وهو الاتفاق الذي شكّل انقلابًا على الثوابت الفلسطينية، إذ اعترفت المنظمة بدولة الاحتلال على 78% من فلسطين التاريخية، وبحقّها في العيش بسلام وأمان، والتزامها بالمفاوضات لحلّ كلّ القضايا الأساسيّة المتعلّقة بالأوضاع الدّائمة، وإدانة استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، بمعنى أوضح المقاومة ضدّ الاحتلال، وأنّ بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنكر حقّ إسرائيل في الوجود لم تعد سارية، فيما قرّرت "إسرائيل"، وفق رسالة رابين إلى عرفات، "الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثّلة للشعب الفلسطيني وأن تبدأ المفاوضات مع منظمة التحرير في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط".

 

وقد جزّأ اتفاق أوسلو القضية الفلسطينية إلى ملفّات أو قضايا، تحت مسمّى قضايا الحلّ النهائي، ومنها القدس واللاجئون والمستوطنات، وجعلها موضوعًا للتفاوض، ما يعني عمليًا مساومة الطرف الفلسطيني وجرّه إلى مزيد من التنازلات، لا سيّما أنّ مسار أوسلو قائم على إضعاف الفلسطينيين عبر استعداء المقاومة، وتجنيد السلطة الفلسطينية التي نشأت على أثر توقيع الاتفاق، من أجل محاربة المقاومة، والقضاء على أيّ تحرّك ضدّ الاحتلال.

 

على مدى السنوات التي أعقبت الاتفاق، أمعنت الولايات المتحدة في تبنّي رواية الاحتلال ودعمه، وكان مسار المفاوضات الذي أيّدته واشنطن طريق "إسرائيل" لمزيد من سلب الأراضي الفلسطينية والاعتداء على الفلسطينيين، وسياسة فرض الحقائق على الأرض.

 

حاولت الولايات المتحدة أن تبدي بعض التوازن في مقاربة القضية الفلسطينية، لكن لم يكن ممكنًا إخفاء انحيازها إلى الطرف الإسرائيلي. وبرز انحيازها واضحًا من دون تمويه في عهد ترامب الذي أعلن عام 2017 اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وأوعز إلى وزارة الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس، وهو ما حصل فعلاً في أيار/مايو 2018، إضافة إلى قراراته التي استهدفت الأونروا واللاجئين وحق العودة، وصولاً إلى إعلان وزير خارجيته مايك بومبيو في عام 2019 أنّ المستوطنات في الضفة ليست بالضرورة مخالفة للقانون. وتوّج ترامب سياسته بالإعلان عن صفقة القرن في بداية عام 2020، وإطلاق مسار التطبيع الرسمي تحت عنوان "اتفاقات أبراهام" في آب/أغسطس من العام ذاته.

 

وبطبيعة الحال، لا يمكن التقليل من خطورة السياسة الأمريكية في عهد بايدن، الذي قرّر الإبقاء على سفارة واشنطن في القدس، فيما تبدو مواقفه، كاستثناف المساعدات وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، محاولات لإعادة إطلاق مسار التفاوض بين السلطة والإسرائيليين.

 

على الجانب الإسرائيلي، أطلقت دولة الاحتلال بعد أوسلو العنان لسياسات التهويد والتهجير والاستيطان، وعملت على فرض الحقائق على الأرض بما يتناسب مع روايتها وأهدافها. وحاصرت قطاع غزّة وشنّت عليه حروبًا مدمّرة قتلت فيها آلاف المدنيين وتحتجز في سجونها آلاف الأسرى الفلسطينيين، وهي تعمل على تعزيز الاستيطان وزيادة المستوطنين في شرق القدس على وجه الخصوص، وتستهدف أحياء المدينة بالهدم والتهجير، علاوة على تصعيد الاعتداء على المسجد الأقصى، وهو تصعيد تقوده جماعات المعبد بدعم من المستويين السياسي والأمني في دولة الاحتلال.

 

أمّا السلطة، فتمسّكت بمجموعة من "الثوابت"، قاربت بها كلّ المحطات والمتغيّرات المحلّية والإقليمية والدولية، وكان الثابت الأبرز هو الاتجاه نحو المفاوضات، الأمر الذي ثبت فشله في استرجاع أيّ حق للفلسطينيّين علاوة على أنّه شكّل مظلة لتضييع مزيد من الحقوق. أمّا الثابت الآخر فهو التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي أعلنت السلطة عن وقفه مرات عدّة كانت لا تلبث بعدها أن تجد سبيلاً للعودة إليه، مع ما يعنيه من استهداف للفلسطينيين ومقاومتهم، للحفاظ على أمن الاحتلال، وذلك كجرء من الدور الوظيفي المناط بالسلطة.

 

أطلق اتفاق أوسلو مسارًا معتلّاً توقفت معه نهائيًا الانتفاضة الأولى ولا تزال القضيّة الفلسطينية تواجه تداعياته الكارثيّة إلى اليوم، وترافقت معه عملية إخضاع الفلسطيني وتطبيعه على قبول الاحتلال وصولاً إلى محاصرته بمسار التطبيع العربي الرسمي. لكن مع ذلك، فإنّ الأعوام التي تلت توقيعه، بكلّ ما اعتراها من تثبيط وتوهين، كانت شاهدًا على تمسّك الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال والدفاع عن المقدّسات، من هبّة النفق إلى انتفاضة الأقصى، وهبة القدس وانتفاضة السكاكين، ومن بعد ذلك هبة باب الأسباط وباب الرحمة، وهبّة باب العمود، وصولاً إلى معركة سيف القدس، وإضافة إلى ذلك كلّه كل وقفة تضامن وصمود دفاعًا عن سلوان والشيخ جراح، ونصرة للأسرى والمسرى، ورفضًا للتطبيع، وكلّ فعل مقاوم يخوضه الفلسطينيون ضدّ محاولات تصفية القضية الفلسطينية حتى لا يكون أوسلو قدرًا محتومًا. 

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

الأقصى من الإحراق إلى التهويد

التالي

هل تقسيم المسجد الأقصى ممكن؟

مقالات متعلّقة

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »

عدنان أبو عامر

اختلاف الأولويات بين واشنطن و"تل أبيب" حول التطبيع

الخميس 23 شباط 2023 - 10:52 م

في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال ضغوطًا لا تخطئها العين من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعودة إلى العملية السياسية مع الفلسطينيين، ولو من الناحية الشكلية غير المجدية، فإن الواقع الإقليمي، من و… تتمة »