هل يجب التوقف عن نشر المحتوى الفلسطيني في الفضاء الإلكتروني؟

تاريخ الإضافة الخميس 25 تشرين الثاني 2021 - 6:13 م    عدد الزيارات 1512    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

انطلق موقع فيسبوك، عام 2004، كموقع للتعارف الاجتماعي، لكنّه لم يلبث أن توسّع ليصبح من المواقع ذات التأثير العالمي، ويستخدمه اليوم حوالي مليار مستخدم فاعل حول العالم. قفز مستخدمو فيسبوك عن الدور الترفيهي للموقع، بعدما وجدوا فيه منصّة يمكنهم بها الوصول إلى الملايين بـ "كبسة زر"، ومن دون المرور عبر فلاتر الرقابة التي تخضع لها وسائل الإعلام التقليدية المرئية والمسموعة والمكتوبة على حدّ سواء. ووجدت الرواية الفلسطينية طريقها إلى الموقع الأزرق لنقل الجرائم الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين من دون مقصّ الرقيب، لحظة بلحظة، ومن كلّ مكان في فلسطين المحتلّة.

 

واستفاد الفلسطينيون من موقع فيسبوك، وغيره من مواقع التّواصل الاجتماعي، لنقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، وتسليط الضوء على حجم الجرائم الإسرائيلية التي يرتكبها الاحتلال يوميًا بحقّ الفلسطينيين، من هدم المنازل وتشريد العائلات، والقتل بدم بارد على الحواجز وفي الطّرقات، واعتقال الأطفال وترويعهم، وسلسلة طويلة من الاعتداءات التي يوثّقها شهود العيان لحظة ارتكابها من قبل قوات الاحتلال. وقد كشف التقرير السنوي لمعهد رويترز لدراسة الصحافة الصادر عام 2016 أنّ أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار، وقد تصدّر موقع فيسبوك القائمة حيث يعتمده 44% من مستخدمي الإنترنت، مقابل 19% يفضّلون يوتيوب، و10% يعتمدون تويتر.

 

خطورة هذا الواقع بالنسبة إلى "إسرائيل" وما يعنيه من توسيع هامش القدرة على نشر الرواية الفلسطينية وكشف اعتداءات الاحتلال وجرائمه، دفعت مسؤولين إسرائيليين إلى التواصل مع الشركات المسؤولة عن هذه المواقع لمحاربة المحتوى الفلسطيني ومنع انتشاره، وجرى لقاء في أيلول/سبتمبر 2016 بين كلّ من وزيرة القضاء آيليت شاكيد ووزير الأمن الداخلي غلعاد إردان من جهة، ووفد من فيسبوك، وتمّ الاتفاق على التعاون على "مواجهة المحتوى الذي يحرّض على الإرهاب"، فيما كشفت شاكيد حينها أنّ "إسرائيل" قدمت، على مدى الأشهر الأربعة التي سبقت اللقاء، 158 طلبًا بخصوص محتوى منشور على فيسبوك، واستجابت الشركة لـ 95% من الطلبات.

 

ومع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في أيار/مايو 2021، سارع وزير الجيش بني غانتس إلى الاجتماع بممثلين عن شركتي فيسبوك وإنستغرام، لضمان استمرار التطبيقين في محاربة المحتوى الفلسطيني، واجتمع غانتس، في 2021/5/13، بمسؤولين تنفيذيين في فيسبوك وتيك توك، عبر تطبيق زوم، وطلب منهم تقييد المحتوى الذي يشجع "خطاب الكراهية" ويحرّض على "الإرهاب"، مشيرًا إلى أهمية سرعة التجاوب من قبل التطبيقين مع طلبات "الهيئة الوطنية السيبرانية" الإسرائيلية.

 

وبالفعل، فقد حظر موقع إنستغرام وسم "الأقصى"، ومنع تداوله في أثناء العدوان على غزة، وأغلق العديد من حسابات النشطاء الفلسطينيين.

 

أمّا فيسبوك فأغلق، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، صفحتي كلّ من القسطل وميدان القدس، على أثر تغطيتهما تطورات عملية القدس التي نفّذها الشيخ فادي أبو شخيدم في 2021/11/21؛ علمًا أنّ كلا الصفحتين تخطّتا مليون متابع لكلّ منهما، وتُعدّان أكبر صفحتين على فيسبوك معنيّتين بالنشر حول القدس والأقصى.

 

ومن انتهاكات فيسبوك في السنوات الماضية، إغلاق صفحة مؤسسة القدس الدولية في أيار/مايو 2019، وإغلاق الصفحة الرسمية لوكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" في آذار/مارس 2018؛ وقائمة الانتهاكات تطول بحيث يصعب حصرها، وهي تشمل الصفحات والحسابات العائدة للمواقع الإخبارية والأفراد على حدّ سواء.

 

فهل يجب التوقف عن نشر المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي؟

 

ما لا يمكن إنكاره هو أنّ هذه المواقع، وفي مقدّمتها موقع فيسبوك، باتت مواقع مؤثرة وواسعة الانتشار، وظهر ذلك بوضوح في نقل قضيّة التهجير القسري لأهالي حي الشيخ جراح إلى العالم، وكذلك جرائم الاحتلال الإسرائيلي في أثناء العدون على غزة في أيار/مايو 2021، وقد أدّى ذلك إلى حملة تضامن واسعة مع الفلسطينيين، وإدانات عريضة للاحتلال شارك فيها أعضاء في الكونغرس الأمريكي وسياسيون وأكاديميون وشخصيات بارزة من دول مختلفة حول العالم، بما شكّل قلقًا للاحتلال.

 

قد لا يكون من الصائب ترك هذه المواقع إذ إنّ ذلك لن يؤثر في نشر المحتوى الفلسطيني وحسب، بل سيعطي مجالًا لنشر رواية الاحتلال في هذه المنصّات وتعميمها. لذلك، يبقى من المهمّ الاستفادة منها في تقديم الرواية الفلسطينية وترويجها والوصول بها إلى شرائح واسعة، وإظهار الجرائم الإسرائيلية على أوسع نطاق.

 

وبالتوازي، لا بدّ من الضغط على هذه المواقع للجم حربها على المحتوى الفلسطيني، ومن ذلك تنظيم حملات إلكترونيّة تسلط الضوء على سياسة كمّ الأفواه المعتمّدة حيال الرواية الفلسطينية، والمشارك في حملات تخفيض تقييم التطبيقات المعنيّة، إضافة إلى تكثيف التواصل مع القائمين على هذه المواقع والضغط عليهم للعمل على استعادة الحسابات والصفحات التي جرى إغلاقها، وإعادة فتح صفحات جديدة تنشر الرواية الفلسطينية من دون الاستسلام لسياسة تغييب هذه الرواية وطمسها.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

الأقصى وردود الفعل العربية والإسلامية (3)

التالي

هل يكفي "التضامن" مع الشعب الفلسطيني لاستعادة حقّه؟

مقالات متعلّقة

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »

عدنان أبو عامر

اختلاف الأولويات بين واشنطن و"تل أبيب" حول التطبيع

الخميس 23 شباط 2023 - 10:52 م

في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال ضغوطًا لا تخطئها العين من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعودة إلى العملية السياسية مع الفلسطينيين، ولو من الناحية الشكلية غير المجدية، فإن الواقع الإقليمي، من و… تتمة »