تقدير موقف - الحراك الشعبي في القدس: أسبابه وآفاقه
![]() ![]() ![]() ![]() |
الحراك الشعبي في القدس: أسبابه وآفاقه
ملخص:
تشهد القدس منذ مقتل الفتى المقدسي محمد أبو خضير على يد مستوطنين في 2/7/2014 حراكًا شعبيًا يعيد إلى الأذهان نماذج متكررة شهدتها القدس المحتلة لامست في بعض الأحيان حد الانتفاضة اعتراضًا على سياسات الاحتلال الساعية إلى تهويد القدس على المستوى الثقافي والديني والديموغرافي. ولكن الحراك المقدسي كان يفقد القدرة على الاستمرار نتيجة غياب الحاضنة الفلسطينية والعربية من جهة وبفعل انقضاض الاحتلال على الحراك لقمعه وامتصاصه للحد من انعكاساته على الاقتصاد والأمن الإسرائيليين من جهة أخرى. وتتصارع مجموعة من العوامل على الساحتين الفلسطينية/المقدسية والإسرائيلية لتدفع نحو مزيد من الحراك أو لتثبطه، في وقت تشهد الساحتان انقسامًا في مقاربة هذا الحراك وتأطير التعاطي معه.
وفي ظل ذلك يمكن الحديث عن سيناريوهات ثلاثة محتملة: استمرار الحراك ضمن الوتيرة ذاتها عبر مبادرات فردية تتفاعل مع تصعيد الاحتلال ممارساته وأعماله القمعية، أو تصاعد الحراك إلى هبة شاملة تتوسع وتتمدّد إلى الضفة الغربية، والسيناريو الثالث يتمثل بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل قتل الطفل المقدسي محمد أبو خضير وتمدد رقعة المواجهات مع الاحتلال.
مقدمة:
تتنقل منذ ما قبل حرب غزة في تموز/يوليو 2014 موجات من المواجهات بين مناطق القدس المختلفة لا تكاد تخبو حتى تتجدد مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية. وتجلّت أهم المحطات التي أشعلت الحراك الشعبي في القدس في سلسلة من الأحداث المتقاربة زمنيًا بدأت مع اختفاء ثلاثة مستوطنين في 12/6/2014 ثم العثور على جثثهم في 30/6/2014، ثم خطف مستوطنين للفتى المقدسي محمد أبو خضير وإحراقه في 2/7/2014 ومن بعد ذلك الحرب على غزة في 8/7/2014. وقد اشتعلت على أثر ذلك المواجهات التي حاولت شرطة الاحتلال الانقضاض عليها فكان قتل الفتى المقدسي محمد سنقرط في 10/9/2014، بعد إطلاق الشرطة النار عليه في 1/9/2014. إلا أن الغليان في القدس، وإن ظهر بشكل واضح خلال الأشهر الخمسة الماضية، إلا أنه ليس وليد اللحظة ولا هو مرتبط حصرًا بالتطورات التي تشهدها الساحة الفلسطينية مؤخرًا. وعمليات الحراك الشعبي ليست بالأمر الجديد في القدس التي شهدت تحركات شعبية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين، ومن ذلك على سبيل المثال انتفاضة النبي موسى عام 1920، وثورة البراق عام 1929، وهبة النفق عام 1996 وصولاً إلى انتفاضة الأقصى عام 2000. أما الأساليب التي يلجأ إليها المقدسيون اليوم من مفرقعات نارية وزجاجات المولوتوف وإعطاب القطار الخفيف أو الدهس بالسيارات والجرافات فهي أيضًا ليست أمرًا طارئًا على المقدسيين حيث شهدت القدس بين عامي 2008 و2013 تنفيذ 6 عمليات دهس يضاف إليها 3 عمليات في 2014.
المشهد المقدسي تحت الاحتلال:
تشهد القدس حملة مسعورة من التهويد التي تطال المستويين الديني والديموغرافي على حد سواء. وتعمل "إسرائيل" من خلال مجموعة من الإجراءات على تغيير وجه المدينة العربي والإسلامي وتكريس طابع يهودي يتناسب مع ادعاءات الاحتلال بأن القدس هي العاصمة الموحدة والأبدية للدولة العبرية. والسياسات التهويدية ليست حديثة العهد وإنما تعود إلى بداية الاحتلال الذي عمل على تطهير القسم الغربي من المدينة عام 1948 وهو يعمل على استكمال مشروع التهويد منذ وضع يديه على القسم الشرقي من المدينة عام 1967.
ومن أوجه التهويد التي يعتمدها الاحتلال بشكل أساس الاستيطان الذي يهدف إلى تعزيز الوجود اليهودي في شرق القدس واختراق الأحياء ذات الكثافة العربية ومنع التواصل الجغرافي بينها، وهو يسوّق من قبل المسؤولين الإسرائيليين على أنه حل لمشكلة الإسكان وغلاء أسعار المنازل في المدن الإسرائيلية بشكل عام بالإضافة إلى أن الدفاع عن البناء الاستيطاني بأنه بناء في عاصمة الدولة العبرية و"من حقنا البناء في أي مكان في عاصمتنا". وقد صرح نتنياهو مؤخرًا خلال لقائه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن "البناء في شرق القدس لا يمكن أن يسمى استيطانًا إذ لا استيطان في عاصمتنا". ويزيد عدد المستوطنات في القدس على 35 بالإضافة إلى مئات البؤر الاستيطانية التي تشكل نواة لإنشاء أحياء يهودية تشرّعها سلطات الاحتلال. ويبلغ عدد المستوطنين في شرق القدس ما يزيد على 200 ألف مستوطن من إجمالي 500 ألف مستوطن يقيمون في الضفة الغربية بشكل عام.
وفي مقابل تسهيل وفود المستوطنين إلى القدس عبر بناء الوحدات الاستيطانية لاستيعابهم، يعمل الاحتلال على تقييد الوجود المقدسي من خلال جملة من الوسائل منها التضييق على العرب في البناء والسكن فتتشدّد في منحهم رخص البناء ثم تهدم ما بنوا بذريعة عدم الترخيص. وتبلغ مساحة الأراضي المخططة لبناء المقدسيين حوالي 14% من مساحة شرق القدس في حين صادر الاحتلال منذ وضع يده على شرق المدينة عام 1967 ما يقارب 35% من الأراضي الخاصة لبناء وحدات استيطانية. يضاف إلى ذلك أن أحياء كاملة، مثل حي البستان في سلوان، مهددة بالهدم بشكل كامل لإقامة حدائق تلمودية. ومن وسائل الاحتلال أيضًا سحب الهويات (بطاقات الإقامة الزرقاء)، ما يعني فقدان المقدسي المكانة التي "تفضل" عليه بها الاحتلال والتي يتمتع بموجبها بصفة "مقيم" في مدينته. وقد سحب الاحتلال بين عامي 1967 و2013 ما يزيد على 14,309 هوية.
وقد تسببت سياسات الاحتلال، من قبيل فرض الضرائب والغرامات والحواجز وضرب القطاعات الحياتية المختلفة بإفقار المقدسيين حتى تجاوزت نسبة الفقر حوالي 77% وارتفعت إلى 85% بين الأطفال. يضاف إلى ذلك الجدار العازل وما يرافقه من نظام الحواجز والبوابات وعزل أكثر من 70 ألف من المقدسيين ممن تقع أحياؤهم ضمن حدود القدس البلدية على جانب الضفة الغربية من الجدار.
ولا تقف الممارسات الإسرائيلية عند هذه الحدود، فقد شهد شهرا أيلول وتشرين أول المنصرمين سيطرة مجموعة من المستوطنين بدعم من جمعيتي "العاد" و"عطيرت كوهنيم" الاستيطانيتين وبمباركة حكومية، على نحو 25 وحدة سكينة في حي سلوان ضمن مساعي الجمعيتين لتهويد الحي الذي يسميه اليهود "مدينة داود". ويضاف إلى ذلك محاولات السيطرة على قطاع التعليم من خلال أسرلة المناهج وإلغاء ما يرتبط بالهوية العربية-الإسلامية ناهيك عن عمليات الملاحقة والاعتقال والحبس الإداري التي لا تتوقف على مدار العام.
المسجد الأقصى بين الاقتحامات ومساعي التقسيم:
ليست اقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى بالأمر الجديد وقد كان اقتحام أرئيل شارون للمسجد مع العشرات من جنود الاحتلال في أيلول/سبتمبر 2000 السبب المباشر في اندلاع انتفاضة الأقصى. إلا أن المرحلة التي تلت انتخابات الكنيست في كانون ثان/يناير 2013 والحكومة التي شكلها نتنياهو بعد الانتخابات والتي تعد من أكثر الحكومات تطرفًا، شهدت تصعيدًا في التصريحات السياسية الداعية إلى بناء "المعبد" وإلى تأمين حرية صلاة اليهود في الأقصى، وإلى تقسيم المسجد بين المسلمين واليهود على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل. وقد عملت الشرطة خلال شهر رمضان على منع النساء من دخول الأقصى بشكل متكرر واستمرت في تطبيق هذا المنع مرات عدة بعد انقضاء شهر رمضان، وهي تستمرّ في فرض قيود عمرية على المصلين ولا سيما أيام الجمعة بناء على "تقارير أمنية حول استعداد المسلمين للقيام بأعمال شغب بعد الصلاة". وبالتوازي مع ذلك، يتكرر اقتحام أعضاء من الكنيست ووزراء في حكومة نتنياهو للأقصى مع إطلاق تصريحات تدعو إلى تقسيم المسجد وتتمسك ببناء "المعبد" ناهيك عن جلسات لجنة الداخلية في الكنيست التي عقدت لمناقشة وضع الأقصى، وقد بلغت نحو 15 جلسة منذ انتخابات الكنيست الأخيرة حتى تاريخه.
العوامل المؤثرة في الحراك الشعبي في القدس:
• استمرار التهويد والتغول الاستيطاني في القدس: في مقابل التضييق على المقدسيين في البناء، تستمر سلطات الاحتلال في المصادقة على المزيد من الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة الغريبة والقدس على وقع تعهدات نتنياهو بـ "استمرار الاستيطان في عاصمتنا القدس" واعتباره أن "انتقاد الاستيطان يبدد السلام".
• تصعيد الاعتداءات على المسجد الأقصى: يشكل المسجد الأقصى حجر الرحى في المواجهات الدائرة في القدس، والغليان الذي تشهده بلدات القدس المختلفة قابله مزيد من الاقتحامات وصلت إلى حرم الجامع القبلي المسقوف في 5/11/2014، مع الاستمرار في التضييق على المصلين والمرابطين وفرض قيود عمرية بالإضافة إلى التصريحات التي يتمسك بها بعض نواب الكنيست بـ "حق" اليهود في الصلاة بالأقصى وبناء "المعبد". كما أن السياسيين الناشطين على صعيد اقتحام الأقصى، ولا سيما موشيه فيجلين وأوري أرئيل وتسيبي حوتوفلي، لم يوقفوا اقتحاماتهم على الرغم من التوتر القائم والذي يتزايد مع ارتفاع وتيرة الاقتحامات.
• قيام الحراك على مبادرات فردية: فعلى الرغم من أن الفصائل وقوى المقاومة الفلسطينية غير قادرة إلى الآن على تنظيم الحراك الشعبي وتوجيهه إلا أن المبادرات الفردية تشكل عاملاً دافعًا لتوسيع الحراك حيث إن هذه الأعمال "العشوائية" من دهس وطعن وغيرها لا يمكن الاحتلال التنبؤ بها أو إحباطها. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المبادرات باتت أشبه بكرة الثلج المتدحرجة التي تجذب المزيد من المقدسيين إلى تنفيذ المزيد من العمليات بعد ما رآه هؤلاء من أثر على الاقتصاد والأمن الإسرائيليين. وفي هذا السياق جاءت محاولة اغتيال الحاخام يهودا غليك. وعلى الرغم من أن هذه العملية هي الأولى من هذا النوع في القدس لكن تنفيذها من مسافة الصفر التي أصبحت عنوانًا لامعًا خلال الحرب على غزة في صيف 2014 أعطى دفعًا للحالة الشعبية المقاوِمة بعد أن كسر حاجز الخوف من المسافة فتوالت من بعدها محاولات الانقضاض على المستوطنين سواء عبر الدهس أو الطعن، وهي حالة تكررت في القدس وخارجها، بما يعطي دفعًا إضافيًا لهذا الحراك نظرًا إلى الخسائر وحالة القلق التي تولدت على الجانب الإسرائيلي.
التعامل الفلسطيني مع الواقع المقدسي والحراك الشعبي:
على الرغم من إعلان مسؤولين في السلطة الفلسطينية تبنّيها لمبدأ المقاومة الشعبية، إلا أنّها تبدو في نهاية المطاف حريصة على تهدئة الحراك في القدس وعدم تعريض أمن الاحتلال للخطر لتخدم أمنها وبقاءها وإن تحت ظل الاحتلال. وقد كبّلت السلطة نفسها بنفسها بموجب اتفاق أوسلو، وتركت القدس مسرحًا لمخططات التهويد وتركت شريكتها في السلام "إسرائيل" تعبث بالقدس وتستفرد بأهلها، وقد أغلقت سلطات الاحتلال مؤسسات تابعة للسلطة كبيت الشرق وغرفة التجارة وغيرها.
وبعد التحرك الشعبي الذي تشهده القدس لا تزال السلطة معزولة عن واقع المقدسيين ومعاناتهم. ويحاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس كسب ود الجانب الإسرائيلي واسترضاءه في الوقت الذي يصرح به مسؤولو الاحتلال بأن "عباس ليس شريكًا في السلام". ففي لقاء مع القناة العاشرة العبرية قال عباس إن السلطة "لا ترغب في اندلاع انتفاضة في القدس وهي لن تسمح بذلك". وهو بذلك يكرر مواقف سابقة من أطراف السلطة مفادها ألا انتفاضة ثالثة طالما عباس موجود في رئاسة السلطة.
وفيما يوسع الاحتلال من إجراءاته الهادفة إلى قمع الحراك المقدسي، فقد عادت حركتا فتح وحماس إلى التنازع وطفت الخلافات بينهما إلى السطح مجددًا بعد تفجيرات استهدفت منازل كوادر من فتح في غزة في 7/11/2014 وذلك قبيل الاحتفال بالذكرى العاشرة لرحيل ياسر عرفات الذي كان مقررًا في القطاع.
وفي مقابل ذلك، فقد أعلنت مختلف فصائل المقاومة، ولا سيما حركتي حماس والجهاد، دعم هذا الحراك ودعم المقدسيين في معركتهم ضد الاحتلال. وهي وإن لم تكن نظّمت هذه التحركات أو حتى عمليات الدهس والطعن إلا أنها اعتبرت أن كل ما يجري في القدس من أعمال المقاومة حق طبيعي للمقدسيين وردة فعل طبيعية على الاحتلال وعلى جرائمه المتكررة بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته. كما رحّبت الفصائل بالعمليات التي نفّذها مقدسيون واستهدفت مستوطنين وعناصر أمنية. وقد تبنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بعض أبناء القدس الذين ارتقوا شهداء بعد عمليات طعن أو دهس من دون أن يؤشّر ذلك بشكل واضح وقاطع إلى تبني تنظيم هذه العمليّات. لقد كشفت المواجهات في القدس حجم الغياب والفراغ الذي تتركه فصائل المقاومة الفلسطينية في القدس. وإن كانت السلطة مكبلة بفعل اتفاق أوسلو فإن الفصائل الفلسطينية والقوى المؤثرة معنيّة ببناء بنيتها وتدعيمها في القدس إذ لا يكفي إدارة المعركة عن بعد ولا بد من الوجود في الميدان بقوة.
الموقف الإسرائيلي من الحراك في القدس:
يتعامل الإسرائيلي مع الحراك الشعبي على أنه أعمال عنف يمكن وقفها بتعزيز الوجود العسكري والأمني في المدينة. وتغفل سلطات الاحتلال، أو تتغافل، عن أن الانفجار في القدس سببه الاحتلال ذاته وما ينتهجه من سياسات بحق المقدسيين. وقد دفع الاحتلال بمزيد من العناصر العسكرية إلى القدس وأعلن عن تعزيز الوجود العسكري في القدس عبر استجلاب ما يزيد على ألف عنصر لمواجهة التظاهرات والقضاء على التحركات التي يقوم بها الشباب المقدسي، والتي تتركز بشكل خاص في إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة وفي محاولات دهس المستوطنين. واعتقل الاحتلال ما يزيد على 1300 مقدسي منذ حزيران/يونيو 2014. وقد تعهد مسؤولون إسرائيليون بالقضاء على "أعمال العنف" واستعادة الأمن في القدس ونظرًا إلى ارتفاع الكلفة الأمنية والاقتصادية التي يكبدّها المقدسيون للاحتلال، فقد دعا نتنياهو وزراءه ونواب الكنيست إلى "ضبط النفس". وبموازاة ذلك فقد اتصل نتنياهو بملك الأردن لإرسال رسائل "طمأنة" حول عدم المساس بالوضع الحالي للمسجد الأقصى. كما أن الأمن المفقود في القدس دفع وزير خارجية الاحتلال أفيغدور ليبرمان إلى وصف اقتحامات الوزراء ونواب الكنيست للأقصى أنها "غباء سياسي" فيما قال موشيه يعالون، وزير الجيش، إنها تذكي التحريض. كما انتقد وزير الأمن في حكومة الاحتلال هذه الاقتحامات علمًا أنه دعا في 24/9/2014 إلى السماح لليهود بدخول الأقصى بحرية.
السيناريوهات المحتملة:
في ظل المشهد الراهن، يمكن الحديث عن ثلاثة احتمالات لتطور الحراك الشعبي في القدس المحتلة:
1. استمرار الحراك ضمن الوتيرة ذاتها عبر مبادرات فردية تنمو وتخبو وفقًا لإجراءات الاحتلال وتصاعد ممارساته وأعماله القمعية.
2. تصاعد الحراك وتطوره إلى هبة شاملة أو مقاومة شعبية تتوسع وتتمدّد إلى الضفة الغربية.
3. عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل قتل الطفل المقدسي محمد أبو خضير في 2/7/2014 مع احتمال العودة إلى طاولة المفاوضات مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ كل ذلك لن يتم قبل عدة أشهر مع توقّع اندلاع هبة أخرى في المستقبل القريب نظرًا لبقاء عوامل اندلاع انتفاضة شعبية في القدس.
إنّ ترجيح أي سيناريو من السيناريوهات الثلاثة يستلزم استحضار جملة من العوامل المؤثرة في مسار الأحداث. فالفصائل الفلسطينية التي شكلت حاضنة داعمة للانتفاضات السابقة تبدو اليوم غير قادرة على الفعل الميداني وتنظيم العمليات ضد الاحتلال في القدس، كما أنّ السلطة الفلسطينية تتقاطع مع الاحتلال الإسرائيلي في هدف إخماد الحراك الشعبي وإعادة "الأمن والاستقرار". وعلى الصعيد العربي والإسلامي فقد كشفت الحرب الأخيرة على غزة والسنوات القليلة الماضية عمومًا تراجعًا غير مسبوق في الموقف الرسمي وصل إلى حد التخاذل والتحريض أو الصمت غير البريء، كما لا يخفى تراجع التضامن مع القدس على المستوى الشعبي نتيجة انشغال الشعوب العربية والإسلامية بأمورها الداخلية. وعلى صعيد الاحتلال فإن الألم الذي تشعر به "إسرائيل" جراء حراك المقدسيين وفقدان الأمن بالنسبة للمستوطنين سيدفع دولة الاحتلال إلى "تنازلات" لاحتواء الهبة الشعبية بالإضافة إلى ممارسة الضغط على عناصر اليمين الذين يدفعون بممارساتهم نحو المزيد من التصعيد ناهيك عن الاتجاه الدولي للتهدئة واحتواء الأمور. وعليه فإنّ سيناريو عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل قتل الطفل المقدسي محمد أبو خضير والعودة إلى المفاوضات هو الأرجح مع ملاحظة بقاء فتائل الانفجار بسبب بقاء الاحتلال وسياسته الاستبدادية الخانقة ما يعني إمكانية تمدد الانتفاضة الشعبية في القدس في حال وجود عناصر دافعة.
التوصيات:
• تكثيف الاحتضان الفلسطيني، والمقدسي بشكل خاص، للحراك الشعبي بما يتلاءم مع خدمة مشروع التحرير وإنهاء الاحتلال.
• خروج السلطة الفلسطينية من دائرة أوسلو التي أقصتها عن القدس وجعلتها يد الاحتلال وعينه في الضفة الغربية عبر آلية التنسيق الأمني والاتجاه إلى تقييد العمل المقاوم عبر الانقضاض على أي محاولة للاحتجاج على سياسات الاحتلال.
• تفعيل اتفاق فتح وحماس على تبني المقاومة الشعبية عبر تنفيذ هذا الاتفاق على الأرض والتخلي عن كل ما يشوه هذا الدعم.
• التمسك بالمصالحة وتفعيلها وعدم الانجرار وراء ما يشوه المصالحة ويعطلها وما يشكل في الوقت ذاته عاملاً لاستفراد الاحتلال بالقدس.
• الدعم العربي والإسلامي الشعبي والرسمي للحراك المقدسي والضغط على الحكومات لإنهاء أي من مظاهر التطبيع التي تخدم الاحتلال وتقوي شوكته.
• الدعم الإعلامي والخروج من الخطاب الفصائلي الذي يخدم المصالح الحزبية الضيقة إلى فضاء أوسع وهو خدمة مشروع تحرير الأرض والإنسان.