هبة باب الرحمة أين تقف؟ خيارات الجماهير والدولة الأردنية
![]() ![]() ![]() ![]() |
في تقدير موقف أصدرته مؤسسة القدس الدولية حول هبة باب الرحمة:
ما نشهده هي محاولات من الاحتلال لابتلاع الهزيمة التي لحقته بفتح باب الرحمة والحل الأمثل أمام الأوقاف هو الوقوف خلف جماهير القدس
أطلقت مؤسسة القدس الدولية في بيروت يوم الأحد 24-3-2019 تقدير موقفٍ بعنوان "هبة باب الرحمة أين تقف؟ خيارات الجماهير والدولة الأردنية". التقدير الذي تناول خلفية الصراع على باب الرحمة وتطوراتها وموقف الجماهير والأوقاف الأردنية فيها خلص إلى 4 احتمالات ممكنة، وإلى تقديم توصيات تطبيقية للقيادات الجماهيرية للأوقاف الأردنية.
يوضح التقدير بدايةً أن باب الرحمة نقطة مركزية في الأطماع الصهيونية تجاه الأقصى، إذ تنظر إليه أوساط اليمين المتطرف باعتبارها كنيساً مرشحاً لأن يقتطع من الأقصى ضمن مخطط التقسيم المكاني، فيما تنظر إليه الأوساط العلمانية باعتباره المدخل الآثاري لإثبات الحق اليهودي المزعوم في الأقصى، وفي الحالتين جاء فتح باب الرحمة ليقطع الطريق على هذه الأطماع.
وقائع حول باب الرحمة:
ويعيد التقدير نشأة أزمة باب الرحمة إلى الوقت الذي حُلت فيه الأزمة السابقة لمحاولة اقتطاع جزء من الأقصى، إذ كانت الأوساط الصهيونية تسعى عام 1996 لاقتطاع تسوية المسجد الأقصى المبارك ضمن مشروعٍ عُرف باسم "الفضاء التحتي"، فجاء الرد الفلسطيني بإعادة ترميم وتأهيل تلك التسوية وافتتاح مصلىً فيها بات يعرف بالمصلى المرواني، وعزز بفتح البوابات العملاقة له في 1999، فرد الاحتلال على ذلك بمنع إخراج الردم الناتج عن فتحها من الأقصى، فجُمع في أكوام متناثرة على طول الخط الشرقي حتى باب الرحمة، ما سبّب إهمال هذه القطعة من الأقصى وهجرانها وأسس للأزمة الحالية. وفق التقدير فقد قد عزز الاحتلال تطلعه للاستيلاء على باب الرحمة عام 2003 بحظر لجنة التراث الإسلامي التي كانت تتخذه مقراً لها.
وتقول الدراسة إن المتدينين الصهاينة استثمروا هذه الحقائق المفروضة على باب الرحمة ومحيطه فركزوا اقتحاماتهم فيها بدءاً من عام 2013، ونشروا في العام نفسه خريطة تقترح اقتطاع باب الرحمة ومحيطه باعتباره كنيساً مخصصاً لصلاة اليهود. "كان المتطرفون الصهاينة يسعون إلى تطبيق التقسيم الزماني والسيطرة الأمنية على الأقصى قبل الانتقال إلى التقسيم المكاني" كما يوضح التقدير، لكن التراجع الصهيوني في هبة باب الأسباط "أقنع أصحاب تلك الأجندة بأن فرض التقسيم الزماني التام بعيد المنال"، فانتقلوا للعمل على التقسيم المكاني.
مصلى باب الرحمة وتداعيات فتحه:
إغلاق الشرطة لمبنى باب الرحمة بقفلٍ وجنزير في 17/2/2019 كان خطأً مهماً في الحسابات بحسب التقدير، إذ أنه ولأول مرة وضع عيناً للاحتلال في الموقع خلال الأعوام الستة عشر لإغلاقه من قبل الأوقاف نتيجة ضغوط الاحتلال عليها، ووجود هذا الاعتداء الإسرائيلي المباشر سمح بالمبادرة إلى رد فعلٍ مقدسي لم يتأخر إذ جاء في اليوم التالي مباشرةً.
وبحسب الدراسة فإن تبلور مطلب فتح مصلى باب الرحمة كأحد المصليات المسقوفة في الأقصى جاء باعتباره المدخل الوحيد القادر على حماية مبنى باب الرحمة في مواجهة أطماع الاستحواذ عليه، فالمبنى كان مكاتب إدارية من قبل لكن ذلك لم يمنع إغلاقه، فيما تجربة المصلى المرواني شاهدة حتى الآن كيف قطع الطريق على مخطط اقتطاعه من خلال توافد المصلين اليومي إليه.
فتحُ المصلى بقوة الجماهير شكل بحسب الدراسة "إذلالاً وتركيعاً للشرطة الصهيونية، فلأول مرة في تاريخها تعترف مقدماً بعجزها عن المواجهة، وتترك الجماهير تفعل ما تريد"، وانطلاقاً من ذلك ترى الدراسة بأن الاحتلال "شعر بمرارة هزيمته هذه وصعوبة ابتلاعها"، وهذا ما يفسر بنظر التقدير السعي للتحايل على النصر وإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة ولو مؤقتاً، ومحاولة تغيير وجهة استخدامه، وذلك بحسب الدراسة عبر 3 وسائل أساسية هي الاعتقال والإبعاد المتكرر، واللجوء إلى المحاكم الصهيونية وأخيراً الضغط على الأردن سياسياً باعتباره الحلقة الأضعف في المعادلة.
الاحتمالات وخيارات الجماهير:
تستنتج الدراسة انطلاقاً من المقدمات ومن تشخيص موقف الاحتلال بأن الأمور مرشحة للتطور باتجاه أحد أربعة احتمالات: التصعيد المحدود لمحاولة فرض إغلاق باب الرحمة وهذا سيتطلب جولة جماهيرية جديدة لمنع إغلاقه وإعادة فتحه إن أغلق، الاحتمال الثاني هو التصعيد الواسع بدفع من الانتخابات وحسابات بنيامين نتنياهو للتمسك بالسلطة، وهو احتمال من شأنه أن يعيد مساحة الفعل إلى التنظيمات الفلسطينية في القدس والضفة الغربية، أما الاحتمال الثالث فهو الرهان على الزمن عبر مثابرة الشرطة على إجراءاتها ومواصلة الضغوط على الأوقاف الأردنية، وهذا يتطلب مواصلة الحراك الشعبي وبالذات حراك المبعدين عن الأقصى مع إسناد موقف الأوقاف الأردنية حتى لا يتداعى تحت الضغوط، والاحتمال الرابع هو الامتصاص التدريجي للهزيمة عبر التأجيلات المتتالية للمحاكم، وفي هذه الحالة فالمطلوب بحسب التقدير "الحفاظ على اليقظة وعدم التراجع عما تم تحقيقه" وصولاً إلى شهر رمضان الذي ينبغي استثمار الحضور الإسلامي الكثيف خلاله لحسم هوية مصلى باب الرحمة. وقد رجح معدو التقدير خيار امتصاص الهزيمة باعتباره الأوفر حظاً يليه احتمال التعويل على الزمن، مع بقاء المشهد مفتوحاً على مفاجآت.
أداء الأوقاف وخيارات الأردن خلال الهبة:
يرصد التقدير "بداية انحرافٍ تاريخي في موقف الأوقاف لم تشهده خلال تاريخها في الأقصى، إذ بدأت تلعب دور الوسيط" بينما هي الطرف الأصيل الذي يدير شؤون الأقصى ويفترض أن يحميه، ووثّق التقدير هذا "الانحراف" على حد وصفه باعتباره بدأ في وقت مبكر من صباح اليوم الثاني للهبة الشعبية حين حاولت الأوقاف وضع حدّ لها بإزالة القفل الإسرائيلي ووضع قفلها مكانه معتبرت الأمور عادت كما كانت في السابق، فجاء رد الشباب المقدسي مساء بإزالة البوابة كاملة بما فيها قفل الأوقاف وهو ما انتهى إلى تدخل القوات الخاصة الصهيونية.
في الوقت عينه واصلت الأجهزة الصهيونية بث تسريبات عبر الصحافة عن لقاءاتٍ متتالية، وعن قبول أردني بالشروط الصهيونية المتمثلة بإعادة إغلاق مبنى باب الرحمة للترميم وتحويل وجهة استخدامه إلى مكاتب إدارية، وهي تسريبات لم يقابلها نفي أردني واضح على مستوى قيادة الصف الأول بحسب التقدير، وذلك حتى اليوم 31 للأزمة حين صرح الملك عبد الله الثاني أمام حشد من المواطنين في الزرقاء بأن موقفه من القدس ثابت وأنه لن يتراجع عنه رغم الضغوط.
وقد أفرد التقدير مساحة لمناقشة حجج الأوقاف الأردنية لتحويل مصلى باب الرحمة إلى مكتب إداري طارحاً سؤالاً مركزياً "ماذا لو جاءت الشرطة الإسرائيلية وطردت موظفي الأوقاف من وضغطت من أجل إغلاق الباب، هل تستطيع الأوقاف أو طاقم موظفيها إجبار الاحتلال على إعادة فتحه بالقوة؟"
توصيات:
في المحصلة يؤكد التقدير على المعادلة الجديدة التي نشأت وهي أن الأقصى ودور الأوقاف فيه محمي بالفعل الجماهيري والهبات الشعبية، ومن هنا فهو يوجه التوصيات باتجاهين: الأول لاستدامة الفعل الجماهيري وتنويع أشكاله ومبادراته واحتضان حراك المبعدين عن الأقصى واستدامته، والثاني للأوقاف والدولة الأردنية بأن تحافظ على ثقة الجماهير بها وهذا يملي "عدم التصادم مع تلك الجماهير أو التحايل على إرادتها أو إفشال مسعاها". أما النصيحة العملية المباشرة التي يوجهها التقدير إلى الأوقاف والدولة الأردنية فهي "التراجع خلف صفوف الجماهير وانتظار جلاء المشهد وقطف ما تأتي به الجماهير من مكتسبات".